فصل: فوائد بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثالث: العامل فيه محيط: تقديره والله بما يعملون محيط وإذ غدوت. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
اختلفوا في أن هذا اليوم أي يوم هو؟ فالأكثرون: أنه يوم أحد: وهو قول ابن عباس والسدي وابن إسحاق والربيع والأصم وأبي مسلم، وقيل: أنه يوم بدر، وهو قول الحسن، وقيل أنه يوم الأحزاب وهو قول مجاهد ومقاتل، حجة من قال هذا اليوم هو يوم أحد وجوه:
الأول: أن أكثر العلماء بالمغازي زعموا أن هذه الآية نزلت في وقعة أُحد.
الثاني: أنه تعالى قال بعد هذه الآية: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ} [آل عمران: 123] والظاهر أنه معطوف على ما تقدم، ومن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه، وأما يوم الأحزاب، فالقوم إنما خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد لا يوم الأحزاب، فكانت قصة أحد أليق بهذا الكلام لأن المقصود من ذكر هذه القصة تقرير قوله: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} فثبت أن هذا اليوم هو يوم أحد.
الثالث: أن الانكسار واستيلاء العدو كان في يوم أحد أكثر منه في يوم الأحزاب لأن في يوم أحد قتلوا جمعًا كثيرًا من أكابر الصحابة ولم يتفق ذلك يوم الأحزاب فكان حمل الآية على يوم أحد أولى. اهـ.

.قال أبو حيان:

وقال الحسن: كان هذا الغدو في غزوة الأحزاب.
وهو قول: مجاهد، ومقاتل، وهو ضعيف.
لأن يوم الأحزاب كان فيه ظفر المؤمنين، ولم يجر فيه شيء مما ذكر في هذه الآيات بل قصتاهما متباينتان. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئ المؤمنين مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} يروى أنه عليه السلام غدا من منزل عائشة رضي الله عنها فمشى على رجليه إلى أحد، وهذا قول مجاهد والواقدي، فدل هذا النص على أن عائشة رضي الله عنها كانت أهلًا للنبي صلى الله عليه وسلم وقال تعالى: {الطيبات لِلطَّيّبِينَ والطيبون للطيبات} [النور: 26] فدل هذا النص على أنها مطهرة مبرأة عن كل قبيح، ألا ترى أن ولد نوح لما كان كافرًا قال: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] وكذلك امرأة لوط. اهـ.

.قال ابن عطية:

ذهب الطبري رحمه الله إلى أن هذه الآية متصلة بمعنى ما تقدمها من الآيات والظاهر أنها استقبال أمر آخر، لأن تلك مقاولة في شأن منافقي اليهود، وهذا ابتداء عتب المؤمنين في أمر أحد، فالعامل في {إذ} فعل مضمر تقديره واذكر، وقال الحسن: هذا الغدو المذكور في هذه الآية لتبويء المؤمنين الذي كان في غزوة الأحزاب.
قال القاضي أبو محمد: وخالفه الناس، والجمهور على أن ذلك كان في غزوة أحد، وفيها نزلت هذه الآيات كلها. اهـ.

.قال الفخر:

روي أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبي بن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال عبد الله وأكثر الأنصار: يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم والله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخل عدو علينا إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا؟ فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر موضع وإن دخلوا قتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة، وإن رجعوا رجعوا خائبين وقال آخرون: أخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب لئلا يظنوا أنا قد خفناهم، فقال عليه الصلاة والسلام: «إني قد رأيت في منامي بقرًا تذبح حولي فأولتها خيرًا ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا فأوَّلته هزيمة ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم» فقال قوم من المسلمين من الذين فاتتهم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد أخرج بنا إلى أعدائنا فلم يزالوا به حتى دخل فلبس لأمته، فلما لبس ندم القوم، وقالوا: بئسما صنعنا نشير على رسول الله والوحي يأتيه، فقالوا له اصنع يا رسول الله ما رأيت، فقال: «لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل» فخرج يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة وأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال، فمشى على رجليه وجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح إن رأى صدرًا خارجًا قال له تأخر، وكان نزوله في جانب الوادي، وجعل ظهره وعسكره إلى أُحد وأمر عبد الله بن جبير على الرماة، وقال: ادفعوا عنا بالنبل حتى لا يأتونا من ورائنا، وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: «اثبتوا في هذا المقام، فإذا عاينوكم ولوكم الأدبار، فلا تطلبوا المدبرين ولا تخرجوا من هذا المقام»، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام لما خالف رأي عبد الله بن أُبَيّ شق عليه ذلك، وقال: أطاع الولدان وعصاني، ثم قال لأصحابه: إن محمدًا إنما يظفر بعدوه بكم، وقد وعد أصحابه أن أعداءهم إذا عاينوهم انهزموا، فإذا رأيتم أعداءهم فانهزموا فيتبعوكم، فيصير الأمر على خلاف ما قاله محمد عليه السلام، فلما التقى الفريقان انهزم عبد الله بالمنافقين، وكان جملة عسكر المسلمين ألفًا، فانهزم عبد الله بن أُبي مع ثلثمائة، فبقيت سبعمائة، ثم قواهم الله مع ذلك حتى هزموا المشركين، فلما رأى المؤمنون انهزام القوم، وكان الله تعالى بشرهم بذلك، طمعوا أن تكون هذه الواقعة كواقعة بدر، فطلبوا المدبرين وتركوا ذلك الموضع، وخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أراهم ما يحبون، فأراد الله تعالى أن يفطمهم عن هذا الفعل لئلا يقدموا على مخالفة الرسول عليه السلام وليعلموا أن ظفرهم إنما حصل يوم بدو ببركة طاعتهم لله ولرسوله، ومتى تركهم الله مع عدوهم لم يقوموا لهم فنزع الله الرعب من قلوب المشركين، فكثر عليهم المشركون وتفرق العسكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {إِذَا تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ والرسول يَدْعُوكُمْ في أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153] وشج وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وشلت يد طلحة دونه، ولم يبق معه إلا أبو بكر وعلي والعباس وسعد، ووقعت الصيحة في العسكر أن محمدًا قد قتل، وكان رجل يكنى أبا سفيان من الأنصار نادى الأنصار وقال: هذا رسول الله، فرجع إليه المهاجرون والأنصار، وكان قتل منهم سبعون وكثر فيهم الجراح، فقال صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلًا ذب عن إخوانه» وشد على المشركين بمن معه حتى كشفهم عن القتلى والجرحى والله أعلم.
والمقصود من القصة أن الكفار كانوا ثلاثة آلاف والمسلمون كانوا ألفًا وأقل، ثم رجع عبد الله بن أُبي مع ثلثمائة من أصحابه فبقي الرسول صلى الله عليه وسلم مع سبعمائة، فأعانهم الله حتى هزموا الكفار، ثم لما خالفوا أمر الرسول واشتغلوا بطلب الغنائم انقلب الأمر عليهم وانهزموا ووقع ما وقع، وكل ذلك يؤكد قوله تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120] وأن المقبل من أعانه الله، والمدبر من خذله الله. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
يقال: بوأته منزلًا وبوأت له منزلًا أي أنزلته فيه، والمباءة والباءة المنزل وقوله: {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} أي مواطن ومواضع، وقد اتسعوا في استعمال المقعد والمقام بمعنى المكان، ومنه قوله تعالى: {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر: 55] وقال: {قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} [النمل: 39] أي من مجلسك وموضع حكمك وإنما عبر عن الأمكنة هاهنا بالمقاعد لوجهين:
الأول: وهو أنه عليه السلام أمرهم أن يثبتوا في مقاعدهم لا ينتقلوا عنها، والقاعد في مكأن لا ينتقل عنه فسمى تلك الأمكنة بالمقاعد، تنبيهًا على أنهم مأمورون بأن يثبتوا فيها ولا ينتقلوا عنها ألبتة.
والثاني: أن المقاتلين قد يقعدون في الأمكنة المعينة إلى أن يلاقيهم العدو فيقوموا عند الحاجة إلى المحاربة فسميت تلك الأمكنة بالمقاعد لهذا الوجه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{تبوّى المؤمنين} بغير همز: أبو عمرو غير شجاع وورش والأعشى وحمزة في الوقف.
{منزلين} بالتشديد وفتح الزاي: ابن عامر. الباقون: بالتخفيف والفتح أيضا.
{مسوّمين} بكسر الواو: أبو عمرو وابن كثير وعاصم وسهل ورويس. الباقون. بالفتح.

.الوقوف:

{للقتال} ط {عليم} o لأن إذ بدل من {إذ غدوت} أو يتعلق بالوصفين أو بقوله: {تبوئ} {أن تفشلا} (لا) لأن الواو للحال {وليهما} ط {المؤمنون} o {أذلة} ج للفاء {تشكرون} o {منزلين} ط لتمام القول: {بلى} (لا) لاتحاد مع ما بعده {مسوّمين} o {قلوبكم به} ط {الحكيم} (لا) لتعلق اللام بمعنى الفعل في النصر {خائبين} o {ظالمون} o {وما في الأرض} ط {من يشاء} ط {رحيم} o. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {من أهل الكتاب أمة} جيء بالجملة الاسمية للدلالة على الاستمرار كما جيء بعدها بصيغة المضارع {يتلون آيات الله} للدلالة على التجدد ومثله في {يسجدون}.
2- {وأولئك من الصالحين} الإشارة بالبعيد عن القريب، لبيان علو درجتهم وسمو منزلتهم في الفضل.
3- {كمثل ريح فيها صر} فيه التشبيه التمثيلي شبه ما كانوا ينفقونه من أجل المفاخر وكسب الثناء، بالزرع الذي أصابته الريح العاصفه الباردة، فدمرته وجعلته حطاما.
4- {لا تتخذوا بطانة} شبه دخلاء الرجل وخواصه بالبطانة، ففيه استعارة بديعة لطيفة، تشبيها لهم ببطانة الثوب، التي تكون من الداخل، فكأنهم ملاصقون لأجسامهم.
5- {عضوا عليكم الأنامل}. قال أبو حيان: يوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل فيكون حقيقة، ويحتمل أنه من مجاز التمثيل عبر بذلك عن شدة الغيظ والتأسف لما يفوتهم من إذاية المؤمنين أقول: عض الأنامل عادة العاجز النادم، الذي لا يستطيع أن يفعل شيئا أمام ما يعرض له من متاعب ومصاعب، فيعض على أصابعه حسرة وندما، وهذا من مجاز الأمثال.
6- في الآيات من المحسنات البديعية ما يسمى بالمقابلة وذلك في قوله: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} حيث قابل الحسنة بالسيئة والمساءة بالفرح وهي مقابلة بديعة، كما أن فيها جناس الإشتقاق في {ظلمهم} و{يظلمون} وفي {الغيظ} و{غيظكم} وفي {تؤمنون} و{آمنا}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال أبو حيان:

وظاهر قوله: {وإذ غدوت}، خروجه غدوة من عند أهله.
وفسر ذلك بخروجه من حجرة عائشة يوم الجمعة غدوة حين استشار الناس، فمِنْ مشير بالإقامة وعدم الخروج إلى القتال.
وأن المشركين إنْ جاؤوا قاتلوهم بالمدينة، وكان ذلك رأيه صلى الله عليه وسلم.
ومن مشير بالخروج وهم: جماعة من صالحي المؤمنين فأتتهم وقعة بدر وتبوئة المؤمنين مقاعد للقتال، على هذا القول هو أن يقسمَ أفطار المدينة على قبائل الأنصار.
وقيل: غدوه هو نهوضه يوم الجمعة بعد الصلاة وتبوئته في وقت حضور القتال.
وسماه غدوًا إذ كان قد عزم عليه غدوة.
وقيل: غدوه كان يوم السبت للقتال.
ولما لم تكن تلك الليلة موافقة للغدو وكأنه كان في أهله، والعامل في إذا ذكر.
وقيل: هو معطوف على قوله: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا} أي وآية إذ غدوت، وهذا في غاية البعد.
ولولا أنه مسطور في الكتب ما ذكرته.
وكذلك قولُ مَنْ جعل من في معنى مع، أي: وإذ غدوت مع أهلك.
وهذه تخريجات يقولها وينقلها على سبيل التجويز من لا بصر له بلسان العرب.
ومعنى تبويّء تنزل، من المباءة وهي المرجع ومنه {لنبوئنهم من الجنة غرفًا} فليتبوأ مقعده من النار، وقال الشاعر:
كم صاحب لي صالح ** بوّأته بيديّ لحدا

وقال الأعشى:
وما بوّأ الرحمن بيتك منزلا ** بشرقيّ أجياد الصفا والمحرم

ومقاعد: جمع مقعد، وهو هناك مكان القعود.
والمعنى: مواطن ومواقف.
وقد استعمل المقعد والمقام في معنى المكان.
ومنه: {في مقعد صدق} {قبل أن تقوم من مقامك}.
وقال الزمخشري: وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار. انتهى.
أمّا إجراء قعد مجرى صار فقال أصحابنا: إنما جاء في لفظة واحدة وهي شاذة لا تتعدى، وهي في قولهم: شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة، أي صارت.
وقد نقد على الزمخشري تخريج قوله تعالى: {فتقعد ملومًا} على أن معناه: فتصير، لأن ذلك عند النحويين لا يطرد.
وفي اليواقيت لأبي عمر الزاهد قال ابن الأعرابي: القعد الصيرورة، والعرب تقول: قعد فلان أميرًا بعدما كان مأمورًا أي صار.
وأمّا إجراء قام مجرى صار فلا أعلم أحدًا عدّها في أخوات كان، ولا ذكر أنها تأتي بمعنى صار، ولا ذكر لها خبرًا إلا أبا عبد الله بن هشام الحضراوي فإنه قال في قول الشاعر:
على ما قام يشتمني لئيم

إنها من أفعال المقاربة.
وقال ابن عطية: لفظة القعود أدل على الثبوت، ولاسيما أنّ الرماة إنما كانوا قعودًا، وكذلك كانت صفوف المسلمين أولًا، والمبارزة والسرعان يجولون.
وجمع المقاعد لأنه عيّن لهم مواقف يكونون فيها: كالميمنة والميسرة، والقلب، والشاقة.
وبيّن لكل فريق منهم موضعهم الذي يقفون فيه.
خرج صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الجمعة، وأصبح بالشعب يوم السبت للنصف من شوال، فمشى على رجليه، فجعل يصفّ أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح.